صحة حديث (من علق تميمة فقد أشرك)

يُعد حديث: “من علق تميمة فقد أشرك” من الأحاديث النبوية التي وردت في التحذير من الشرك بالله تعالى، ويُصنف هذا الحديث ضمن النصوص التي تندرج تحت أبواب العقيدة الإسلامية والتحذير من مظاهر الانحراف العقدي التي قد تُفضي إلى الشرك الأصغر أو حتى الأكبر في بعض صوره. هذا الحديث القصير في لفظه، العميق في معناه، حمل دلالة قوية في بيان خطورة التعلّق بغير الله تعالى، وضرورة الالتجاء إلى الله وحده في طلب النفع ودفع الضر.

يندرج هذا المقال في دراسة معمّقة لصحة هذا الحديث من حيث السند والمتن، وبيان دلالاته العقدية والفقهية، وتحليل المفهوم العقدي للتمائم كما جاء في الشريعة الإسلامية، وكذلك بيان آراء العلماء حوله، مع الاستعانة ببعض الشواهد والمصادر الموثوقة في علم الحديث والعقيدة.

أولًا: نص الحديث وتخريجه

ورد الحديث عن عدد من الصحابة، وأشهر رواياته ما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:

قال رسول الله ﷺ: “من علَّق تميمة فقد أشرك”.

وقد أخرجه أيضًا:

• أبو داود في “السنن” (حديث رقم: 3883)

• الحاكم في “المستدرك” (4/417)

• ابن حبان في “صحيحه”

• وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” و”صحيح الجامع”

حكم العلماء على الحديث:

• قال الإمام أحمد: إسناده جيد.

• قال الشيخ الألباني: حديث صحيح.

• قال الذهبي في تعليقه على المستدرك: صحيح على شرط مسلم.

بناءً على هذا التخريج، فإن الحديث صحيح من حيث السند، وله شواهد متعددة تزيده قوة، وقد قبله المحدثون واعتمدوه في أبواب العقيدة، لا سيما في باب “ما جاء في الرقى والتمائم”.

ثانيًا: معنى التميمة في اللغة والاصطلاح

في اللغة:

التميمة جمعها “تمائم”، وهي ما يُعلّق على الإنسان – وخاصة الأطفال – من خرزات أو عظام أو جلود، يُعتقد أنها ترد العين أو تحفظ من الشر. ومن هنا جاء معناها مشتقًا من “التَّمام”، أي أنهم يعتقدون أنها تُتمّ صحة الإنسان أو تحميه من النقص والضرر.

في الاصطلاح الشرعي:

عرّفها العلماء بأنها: كل ما يُعلّق من الخيوط أو العظام أو الكتابات – سواء من القرآن أو غيره – على الإنسان أو الحيوان أو المركبة، بقصد دفع الضر أو جلب النفع.

وقد نص غير واحد من أهل العلم على أن التمائم إذا كانت من غير القرآن الكريم فهي محرمة باتفاق، وإن كانت من القرآن ففيها خلاف، والأصح تحريمها أيضًا.

ثالثًا: أنواع التمائم وحكمها في الإسلام

قسم العلماء التمائم إلى نوعين أساسيين:

1. التمائم من غير القرآن (كالحروف، الطلاسم، الرموز)

• حكمها: محرّمة بإجماع العلماء.

• وهي تدخل ضمن مظاهر الشرك الأصغر، وقد ترتقي إلى الشرك الأكبر إذا اعتقد المُعلّق أنها تضر وتنفع بذاتها.

قال ابن مسعود رضي الله عنه:

“التمائم والرُّقى والتِّوَلة شرك” (رواه ابن أبي شيبة).

2. التمائم من القرآن الكريم (آيات، سور مكتوبة)

• حكمها مختلف فيه بين العلماء:

  • القول الأول (الجمهور): تحريمها أيضًا، لأن في تعليقها مشابهة لأهل الشرك، ولأن النبي ﷺ لم يفعلها، وكذلك صحابته.

  • القول الثاني: جوازها بشروط، بشرط أن تكون من القرآن فقط، وأن يُعتقد أن النفع من الله لا من التميمة.

لكن الراجح – كما رجحه ابن باز وابن عثيمين – هو المنع والتحريم مطلقًا، سدًا للذريعة، وتحقيقًا للتوحيد الخالص، ولأن السلف كانوا ينهون عنها.

رابعًا: مفهوم الشرك في الحديث

قال النبي ﷺ: “من علّق تميمة فقد أشرك”.

هذه العبارة تحمل دلالة على أن التميمة، وإن كانت صغيرة في ظاهرها، فإنها تُعدّ نوعًا من الشرك، لكن يجب التفريق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر:

والمعنى المقصود في الحديث – كما رجحه العلماء – هو الشرك الأصغر في الغالب، لأن كثيرًا من الناس يعتقد أن التمائم أسباب فقط، لا أنها تضر وتنفع بذاتها، لكن النبي ﷺ أطلق عليها لفظ “الشرك” تنبيهًا على خطورتها.

خامسًا: العلاقة بين العقيدة والتمائم

الحديث يبين ضرورة تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى، وتطهير العقيدة من كل ما يُشوّهها. فالمسلم يجب أن يكون متعلقًا بربه وحده، لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا منه، ولا يطلب الحماية إلا منه.

فإذا وقع الإنسان في تعليق التمائم، كان ذلك مظهرًا من مظاهر التعلّق بغير الله، وإن خفي الأمر على صاحبه. ومن هنا جاء وصف النبي ﷺ لهذا الفعل بالشرك، حتى يحذر الناس منه.

وقد جاءت نصوص أخرى تؤكد هذا المعنى، كقوله ﷺ:

“إن الرقى والتمائم والتولة شرك” (رواه أبو داود).

سادسًا: أقوال العلماء في التمائم

نورد هنا جملة من أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في بيان خطورة التمائم وتحريمها:

• ابن مسعود رضي الله عنه:
  
  “من علّق شيئًا وُكِل إليه”.

• ابن تيمية:
  
  “التمائم من القرآن وغيره منهيٌّ عنها، والنهي عنها من باب سد الذرائع، لأنها تفتح باب التعلّق بغير الله”.

• ابن القيم في “الطرق الحكمية”:
  
  “تعليق التمائم – ولو كانت من القرآن – مُنافٍ للتوكل، ووسيلة إلى الشرك”.

• ابن باز:
  
  “تعليق التمائم شرك أصغر، وإذا اعتقد أنها تنفع وتضر بذاتها، فهو شرك أكبر”.

• ابن عثيمين:
  
  “لا يجوز تعليق التمائم من القرآن أو غيره، لأن ذلك من الشرك، ولأن وسيلة الشرك شرك، حتى لو نوى بها الخير”.

سابعًا: التمائم في المجتمعات الإسلامية: دراسة واقعية

رغم وضوح النصوص الشرعية في تحريم التمائم، إلا أن الملاحظ في المجتمعات الإسلامية – خاصة في الأرياف والمناطق البعيدة عن العلم – انتشار بعض الممارسات المرتبطة بها، مثل:

• تعليق “خرزة زرقاء” على الأطفال.

• وضع “أوراق ملفوفة” فيها كتابات غير مفهومة داخل قلائد أو حُجب.

• استدعاء من يُطلق عليهم “الروحانيون” أو “الرقاة” لكتابة تمائم.

• تعليق أوراق على الأبواب أو السيارات بحجة دفع العين أو الحسد.

هذه المظاهر ليست فقط مخالفة للشريعة، بل قد تُعرض الإنسان للشرك دون أن يشعر، وسببها الرئيسي هو الجهل بالعقيدة الصحيحة، وقلة الوعي الشرعي، لذا ينبغي تكثيف الجهود الدعوية والتعليمية في هذا الباب.

ثامنًا: الفرق بين الرقية الشرعية والتميمة

الرقية الشرعية مشروعة، وقد رقى النبي ﷺ نفسه وغيره، بشرط أن تكون من:

• القرآن الكريم.

• الأدعية النبوية المأثورة.

• أن تكون مفهومة الألفاظ.

• ألا يُعتقد أنها تنفع بذاتها.

أما التمائم، فهي محلّ نهي وذم في النصوص، والفرق الجوهري أن الرقية تُقرأ على المريض مباشرة، أما التميمة فتعليق خارجي يُعتقد أنه يحمي من الضر، وهو ما يدخل في النهي.

تاسعًا: أثر التمائم على التوكل والإيمان

التميمة تُفسد جوهر التوكل، لأنها تُشوش على صفاء القلب وإخلاصه لله. وقد قال أهل العلم إن التوكل لا يتم إلا بترك الأسباب المحرمة. فالعبد المؤمن إذا اعتمد على تميمة، فقد خلّ بمقام التوكل.

كما أن التمائم تُسهم في إشاعة الخرافة والشعوذة، وتفتح أبواب الانحراف، وتُغذي اعتقادات باطلة لا علاقة لها بالإسلام، مما يجعلها ليست مجرد مخالفة بسيطة، بل خطأ عقدي كبير.

عاشرًا: وسائل الوقاية من خطر التمائم

للحد من ظاهرة تعليق التمائم والتعلّق بها، لا بد من خطوات عملية تشمل الجوانب التربوية والتعليمية والدعوية، منها:

1. تعليم العقيدة الصحيحة في المناهج التعليمية.

2. توعية الأمهات والآباء بخطورة تعليق التمائم على الأطفال.

3. التحذير من الذهاب إلى السحرة والمشعوذين.

4. دعم الرقاة الشرعيين الموثوقين في محاربة الخرافة.

5. نشر الفتاوى الشرعية بلغة مبسطة تصل إلى العوام.

6. تشجيع المساجد على تخصيص خطب ودروس حول هذه الظواهر العقدية.

جدول يوضح الفرق بين التمائم والرقية الشرعية:

الخاتمة

حديث “من علّق تميمة فقد أشرك” حديث صحيح الإسناد، وله دلالة عقدية عظيمة في التحذير من كل ما يُفضي إلى الشرك، سواء أكان ظاهرًا أم خفيًا. وقد أجمع العلماء على تحريم التمائم، خاصة تلك التي تُعلق لدفع البلاء أو جلب الخير، لما فيها من خلل في التوحيد، وانحراف في مفهوم التوكل، وفتح لباب السحر والشعوذة والخرافة.

لذا، فإن الالتزام بالسنة، والتوكل على الله وحده، وطلب الشفاء والنفع منه لا من غيره، هو الطريق الوحيد لحماية العقيدة، وتحصين النفس من الانزلاق في مسالك الشرك، صغيره وكبيره.

المراجع:

1. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

2. السلسلة الصحيحة – محمد ناصر الدين الألباني